Engageya

Friday, July 24, 2009

الجفاف يؤثر سلبا على جهود اعادة بناء اقتصاد العراق

ما كان يعرف في التاريخ بالهلال الخصيب الذي أدت اراضيه الزراعية الخصبة ومياهه الوفيرة الى قيام الحضارة أصبح اليوم صحراء جرداء حيث يزحف نهرا دجلة والفرات ببطء نحو البحر.

فهناك مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية العراقية لكنها مشققة وقاحلة وقد جفت الاهوار الثمينة كما تحجب العواصف الرملية اشعة الشمس.

حتى "نهر صدام" وهو نظام الصرف الرئيسي الذي دشنه الرئيس السابق صدام حسين في الثمانينات لاعادة العراق الى مجده الزراعي القديم تحول الى جدول هزيل اخضر اللون يجري على مستوى منخفض كثيرا عن العلامة التي تركها أعلى منسوب له.

هذه هي أعراض نقص متفاقم في المياه يهدد بتقويض جهود العراق لاعادة بناء اقتصاده بعد ست سنوات من الصراع منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

والمياه سلعة ثمينة في الشرق الاوسط القاحل الذي يتكهن الكثير من الخبراء بأن تنشب فيه حروب في المستقبل اذا لم يتم التوصل الى حل مستديم.

وازداد التوتر في وقت سابق هذا الشهر حين أعلنت تركيا أنها ستستأنف العمل في خطتها المثيرة للجدل لبناء سد على نهر دجلة في جنوبها الشرقي.

وسحب الداعمون الاوروبيون تأييدهم لمشروع سد ايليسو استنادا لمعايير ثقافية وبيئية وهو ما يمثل انتصارا مؤقتا لبغداد لكن أنقرة عقدت العزم على المضي قدما حيث تسعى الى خفض اعتمادها على واردات الطاقة.

ويقول عمرو هاشم الخبير الاقتصادي بجامعة المستنصرية ببغداد ان هذه ليست أزمة جديدة على العراق لكنها هذه المرة اكثر خطورة من اي وقت مضى.

ويسارع الساسة العراقيون الى الالقاء باللائمة على الجيران تركيا وايران وسوريا لاقامتهم سدودا واستخدامهم المتزايد للمياه لكن الخبراء يقولون ان مشاكل العراق ترجع ايضا الى الزيادة الكبيرة في عدد السكان وسوء الري وعدم وجود حوافز تذكر لترشيد استهلاك المياه.

ويقول ديفيد مولدن نائب رئيس المعهد الدولي لادارة المياه في سريلانكا "المشكلة هي اجتماع كل العوامل معا.. التمدن والتغير المناخي وتقلب المناخ على المدى القصير وازدياد الطلب على الغذاء."

وأضاف "العراق مكان.. لكنه ليس وحده في العالم... نعم يستطيعون دوما القاء اللوم على الجيران او التغير المناخي لكنهم في نهاية المطاف يجب أن يغيروا أسلوب ادارة المياه."

وهذا العام هو الثاني الذي يعاني فيه العراق من جفاف شديد ويقول مسؤولون امريكيون في بغداد ان استخدام الاحتياطيات العام الماضي سبب أسوأ نقص في المياه خلال عقد.

وربما يأتي الجفاف بواحد من أسوأ محاصيل القمح خلال عشر سنوات وسط توقعات بانخفاض المحصول الى 1.35 مليون طن اي نحو نصف المحصول المعتاد وهي انتكاسة كبيرة لبلد كان يمد المنطقة يوما بالحبوب لكنه يصنف اليوم ضمن اكبر مستوردي القمح في العالم.

ويقول صلاح فيصل وهو مزارع يؤهب نفسه لانخفاض محصول مزرعته جنوبي بغداد ان نقص المياه ليس السبب الوحيد في الضعف الشديد الذي تعانيه الزراعة بالعراق.

وتابع تحت حرارة شمس الصيف اللافحة "في الثمانينات كانت هناك الحرب مع ايران وفي التسعينات كانت هناك الكويت والان الامريكيون. هناك ما بين خمسة وستة ملايين شهيد و70 في المئة من الناس في الريف فروا. ماذا تتوقعون.."

والاضطراب في قطاع الزراعة يعني اضطرابا للعراق اذ يعمل به اكبر عدد من القوة العاملة لكنه يبدو ضئيلا اذا قورن بالنفط من حيث العائد الاقتصادي.

ويعد الاعتماد على واردات الغذاء وكذلك هجرة السكان من الريف والخوف من استقطاب المتشددين للشبان العاطلين من العوامل التي تقف وراء مبادرة خاصة أطلقها رئيس الوزراء نوري المالكي لانعاش قطاع الزراعة المحتضر.

غير أن النتائج ستكون بطيئة في الوقت الذي يحث فيه المسؤولون المزارعين على التخلي عن ممارسات مثل الري بالغمر والذي أدى الى زيادة ملوحة التربة وساعد على خفض خصوبة الاراضي الزراعية.

وفي غياب نظام ملائم للصرف فان الممرات المائية العراقية مالحة بدرجة خطيرة. وتبلغ درجة ملوحة المياه التي تتدفق الى العراق 400 جزء في المليون. وتقول وزارة الزراعة انها حين تصل الى الخليج يرتفع هذا المستوى الى الفي جزء في المليون.

وقال مولدن انه بالمقارنة مع هذا هناك نحو الف جزء في المليون في مصب نهر كولورادو. وأضاف "ستنخفض انتاجية معظم المحاصيل باستثناء الاكثر تحملا للملح حين تروى بهذه المياه."

وفي بغداد يتكوم الطين حول حقول من القصب تظهر الان في نهر دجلة الذي يتدفق ببطء وهو مشهد بعيد كل البعد عما كان الوضع عليه قبل 20 عاما حين كان الاطفال يسبحون في تياراته السريعة معرضين انفسهم للتهلكة.

ويهدد النقص المزمن امدادات مياه الشرب ونظام الصرف الصحي ويفاقم من مشاكل الصحة العامة.

وفي الاونة الاخيرة أيد النواب الذين يشكون من تقاعس الحكومة منع ابرام اي اتفاقات مع ايران او سوريا او تركيا والتي ترفض جميعا منح العراق حصة اكبر من المياه. ورغم أن هذه خطوة رمزية الى حد كبير فقد عبرت عن استياء سياسي عميق.

وقال جمال البطيخ عضو لجنة المياه بالبرلمان ان الحكومة لا تملك ارادة سياسية وأشار الى أنها بحاجة الى استغلال علاقاتها مع الولايات المتحدة للضغط على تركيا.

ومن الممكن أن تؤدي محاولات لي ذراع الحكومة الى تقويض جهود المالكي لتحسين العلاقات الهشة مع تركيا التي هي شريكة تجارية رئيسية كثيرا ما ثارت بينها وبين بغداد خلافات بشأن المتمردين الاكراد في شمال العراق.

وتزداد الشكاوى من مسؤولين عراقيين مثل عون ذياب عبد الله المسؤول عن ادارة موارد العراق المائية والذي يشكك في وعود تركيا بضمان حد أدنى من المياه يبلغ 400 متر مكعب في الثانية عند النقطة التي يترك فيها نهر الفرات تركيا ويدخل سوريا قبل أن يعبر الى العراق.

وقال عبد الله ان تدفق مياه النهر عند نقطة الدخول انخفض في اوائل يوليو تموز الى 289 مترا مكعبا في الثانية.

وقال تانر يلدز وزير الطاقة التركي الاسبوع الماضي "نمنح سوريا 515 مترا مكعبا في الثانية في المتوسط. هذا الرقم يتفق مع التزاماتنا."

وفي محاولة للتغلب على ملوحة التربة وتحسين الانتاج الزراعي أنفقت الولايات المتحدة 130 مليون دولار على الاقل لاصلاح ومد قناة صرف زراعية اشتهرت في عهد صدام.

ورممت الولايات المتحدة مضخة للصرف في جنوب العراق هي الاكبر في الشرق الاوسط. وتصرف المضخة مياه الري الزائدة في البحر وستزيل اذا أديرت بشكل جيد ملوحة التربة بمرور الوقت.

ويجب بذل جهد اكبر بكثير للتشجيع على ترشيد استهلاك المياه في بلد لا يدفع فيه المزارعون مقابلا لهذه السلعة الغالية ويعيش كثير من الناس في العاصمة لسنوات دون أن تصلهم فاتورة مياه واحدة.

وقال مسؤول أمريكي في بغداد طلب عدم نشر اسمه ان على الحكومة ايضا اعطاء أولوية للحفاظ على المياه.

والاساليب المحسنة مثل الري بالتنقيط مكلفة وتتطلب معدات وتدريبا لا يتوفران لمعظم المزارعين الان.

وقال عبد السلام حيدر الذي كان يزرع المشمش والبرتقال وفواكه أخرى في مزرعته بجنوب العراق "اذا زرعناها ستموت لانه ليست هناك مياه كافية وهناك ملح كثير." وقد كف الان حتى عن المحاولة.

وقال مولدن "العراق يشهد هذه المشكلات بسبب بيئته لكن اماكن كثيرة أخرى على وجه الارض ستراها في المستقبل... لهذا يجب أن نأخذ موقفا لايجاد حل في أماكن مثل العراق."

من ميسي ريان

(شارك في التغطية مهند محمد واسيل كامي وخالد الانصاري من بغداد وعارف محمد من البصرة وسلجوق جوكولوك من أنقرة)

No comments:

Linkwithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...