في شهر يوليو من العام الماضي توفيت امرأة من منطقة ''شينجيانغ'' الصينية بسبب صعقة كهربائية تعرضت لها من جهاز الأيفون الخاص بها، وقتها قالت وكالة الأنباء العالمية ''رويترز'' أن الحادثة وقعت بسبب استخدام تلك السيدة الصينية شاحن غير أصلي لشحن جهاز الأيفون الخاص بها.
بعدها أصدرت شركة ''أبل'' تحذيرات لعملائها بعدم استخدام شواحن غير أصلية لأجهزتهم، وقالت الشركة العالمية في بيانها أن السيدة الصينية توفيت بسبب صعقة كهربائية تعرضت لها بسبب سلك مغشوش في شاحن غير أصلي لجهاز الأيفون الخاص بها وحثت عملائها على شراء الشاحن الأصلي الذي يتمتع بسلك تم تغطيته بمادة عازلة و تقي المستخدم من انتقال الطاقة الكهربائية إلى الهيكل الخاص بالهاتف.
في شهر أغسطس من العام الحالي وتحديدا في منطقة ''وسط البلد'' بالقاهرة انتشر عدد من الباعة الجائلين يحملون شواحن لهواتف محمولة، وبأسعار زهيدة بعضها شواحن نقالة وأخرى ثابتة، كان ''مصطفى'' شاب في الثلاثين من عمره هو أحد هؤلاء الباعة الجائلين الذين انتشروا حول مقاهي وسط العاصمة يروجون لبيع أكسسوارات الهواتف وخاصة الشواحن المحمولة، التي دوما ما كان يضعها في حقيبته.
أسعار تلك الشواحن تتراوح بين 30 و50 جنيها حسب نوع الهاتف المحمول، أثارت انتباهنا تلك الشواحن، وقمنا بخوض تجربة شراء اثنين شاحن محمول وقمنا بشحن أحد الهواتف المحمول الخاصة بنا، استغرق شحن الموبايل 50 دقيقة بالظبط حتى اكتمت البطارية بنسبة 100%، لكن بعد 3 مرات من الشحن، أصبحت بطارية الموبايل لا تتحمل بقائها سوى ساعتين بعدما كانت تتاح لأكثر من 10 ساعات متواصلة.
ومن هنا بدأت رحلة البحث عن حقيقة تلك الشواحن.
شواحن صينية
أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة قال لمصراوي، أن الهواتف المحمولة وشواحنها كلها مستوردة من الخارج جزء منها يأتي إلى مصر عبر الطريق الرسمي كشركات المحمول العالمية المعروفة وتباع من خلال فروعها المعتمدة، وجزء أخر يأتي عن طريق التهريب وبكميات كبيرة جدا، ''لو بيدخل البلد 300 ألف هاتف وشاحن بالطرق الرسمية، بيدخل ثلاث أضعافهم يوميا عن طريق التهريب''.
وأكد شيحة، أن هذه الهواتف والشواحن المهربة صينية الصنع، ''ليس لها أي ضمان ومنقدرش نحصر أعدادها لأنها بتيجي من كذا مصدر من أماكن مختلفة وجودتها مختلفة وغير مطابقة للمواصفات المطلوبة، حجمها صغير جدا وبيبقى صعب حصر كمياتها، لا يوجد جزء من هذه الشواحن مصنع محليا كل البطاريات والشواحن يتم استيرادها من الخارج''.
هيئة التنمية الصناعية أكدت لمصراوي أيضا أن أكثر من 70% من الهواتف والشواحن المتواجدة بالسوق المصري هي صينية الصنع، وغير مطابقة للمواصفات الفنية وقد يكون لها تأثيرات سلبية على الأشخاص، مؤكدة أن جزء ضئيل من اكسسوارات هذه الهواتف يتم تجميعه في مصر، حيث أوضح مصدر مسؤول بهيئة التنمية الصناعية رفض ذكر أسمه في حديثه لمصراوي، أن الهيئة متخصصة في الصناعات المحلية أو التجميع المصري فقط.
كما أضاف أن الصناعات التجميعية لا يتم إصدار لها سجل صناعي، واكسسوارات الهواتف والشواحن جزء منها تجميع والجزء الاخر استيراد، ''السجل الصناعي يتم إصداره لصناعة تنتج منتج أو قيمة مضافة، فلو هناك شواحن محمول في السوق تجميع، فطبيعي ليس لها سجل صناعي، لأنه مش بيصنع أي حاجة في الشاحن، وأكسسوارات الموبايل لو فيها جزء تجميع بيبقى بنسبة 20% من المنتج، لكننا في الهيئة التنمية الصناعية نشترط أن يجتاز المنتج نسبة معينة من المكون المحلي حتى يتم إصدار رخصة مزاولة لهذا المنتج ويصبح له سجل صناعي ومعترف به، وهذا لا يتوافر في الهواتف المحمولة وشواحنها'' - على حد تعبيره.
شارع عبد العزيز ''المنبع''
بينما أوضح رئيس شبعة المستوردين أحمد شيحة أن شارع عبد العزيز بمنطقة العتبة، يعتبر من أهم الأماكن التجارية التي تبيع تلك الشواحن والهواتف الصينية الصنع والغير أصلية، بالإضافة لعدد من المحال المتخصصة في بيع الهواتف المحمولة بمنطقة باب اللوق.
وفي شارع عبد العزيز تلك المنطقة التي تحمل زخما تجاريا كبير، ستجد في كل شبر من هذا الشارع هاتف محمول أو شاحن أو بطارية أو أي شيء يخص جهازك المحمول، فبخلاف المحلات التجارية المتخصصة في بيع الهواتف وأكسسواراتها ستجد عدد كبير من الباعة الجائلين يفترشون الرصيف لبيع ما لديهم من موبايلات وشواحن صينية وغير مطابقة للمواصفات، وعلى الرغم من قيام محافظة القاهرة بحملة إزالة للباعة الجائلين الشهر الماضي فإن شارع عبد العزيز لازال يحمل بين طياته هؤلاء الباعة ببضاعتهم المجهولة.
قمنا بشراء عدة شواحن من أكثر من بائع في الشارع، كانت أسعارهم بسيطة جدا، تتراوح بين 5 إلى 20 جنيها حسب نوع الهاتف المحمول، بينما الأسعار الحقيقية لتلك الشواحن في مراكزها المعتمدة لا تقل عن 50 جنيها، وقمنا بخوض نفس التجربة الأولى في شحن هواتفنا المحمولة، في البدء كانت الشحن يستغرق 50 دقيقة حتى يكتمل شحن البطارية تماما، لكنه بعد عدة مرات من الشحن اكتشفنا أن البطارية الخاصة بهاتفنا المحمول كانت تموت بالبطيء بسبب تلك التجارب من هذه الشواحن المجهولة والغير أصلية.
اكتشفنا أن أحد هذه الشواحن التي قمنا بشرائها، بها نقص في المواد العازلة للطاقة، ودوائر تنظيم الجهد، فضلا عن اعتماد أغلبها على الدوائر الكهربائية الأولية التي تتسبب فى عدم إيصال الطاقة بشكل سليم إلى الجهاز، وهو ما يؤثر بالسلب ليس فقط على مدخل الشاحن والبطارية، بل أيضا على ''المذربورد'' والشاشة وبالتالي تلف الجوال بعد فترة وجيزة من استخدامه.
ضبط 52 ألف شاحن مجهول
طبقا للقانون رقم 67 لسنة 2006، فإن جهاز حماية المستهلك هو الجهة المعنية بحماية المستهلكين، وتوفير لهم الحق في أن يجدوا سلعة أو منتج بالبيانات التي توجبها المواصفات القياسية المصرية، ومن خلالها تتلقى شكاوي المواطنين للإبلاغ عن وجود سلع غير قانونية في السوق المصري، وعلى أثره يتعاون جهاز حماية المستهلك مع مباحث التموين لضبط وإحضار هذه السلع الغير قانونية.
ففي خلال شهري سبتمبر وأغسطس الماضيين تم ضبط 7185 تليفون عادي ومحمول مجهولة الهوية، بالإضافة لـ 1771 تليفون غش تجاري، كما تم ضبط 52 ألف و 329 قطعة غيار تليفون محمول مجهولة الهوية من بينها شواحن محمولة، كما تم ضبط أيضا 4620 شواحن محمولة غش تجاري.. وذلك حسب الوثيقة التي حصل مصراوي على نسخة منها من جهاز مباحث التموين.
حيث استقبلنا اللواء مدحت عبد الله رئيس مباحث التموين في مكتبه بوزارة التموين والتجارة الداخلية موضحا في الوقت نفسه، أن كل يوم هناك تقنيات جديدة في الهواتف المحمول وجزء كبير منها مقلد أو مجهول الهوية'' احنا نتعاون مع جهاز حماية المستهلك، المواطنيين بيبعتوا شكاوي لحماية المستهلك والجهاز يبعتهلنا واحنا دورنا نتحرى عن هذه المعلومات ويتم ضبطها في الحال إذا كانت مخالفة أو جاءت عن طريق التهريب، الشهر الماضي ضيطتنا كميات كبيرة من الهواتف والشواحن المحمولة بها غس تجاري وقد تؤثر على حياة الأشخاص والأجهزة''.
وتابع رئيس مباحث التموين: هناك هواتف محمولة وشواحن أرسلناها لهيئة المصنفات، وأكتشفنا أنها مقلدة ومغشوشة وليس بها علامات تجارية وغير مطابقة للمواصفات، وهناك فرق بين الغش التجاري والأجهزة المجهولة فالغش التجاري هي أجهزة وأكسسوارات تقليد لماركات عالمية ولكنها رديئة الصنع، أما المجهولة فغير معروفة هويتها وليس لها أي شهادات أو سجلات تجارية وصناعية، كما أن جزء كبير من الهواتف التي ضبطناها متواجدة في المولات التجارية الكبيرة، ودورنا يتوقف على إرسال تلك الضبطيات للنيابة والنيابة تأمر بإعدامها إذا كانت مخالفة للمواصفات، كما أن عقوبة الإتجار بتلك الأجهزة تصل لـ سنة وغرامة 10 ألاف جنيه''.
بينما نفى الدكتور حسن عبد المجيد رئيس هيئة المواصفات والجودة والرقابة والرقابة الصناعية في اتصال هاتفي بمصراوي أن تكون هيئة المواصفات والجودة لها علاقة بالهواتف المحمول وأكسسواراتها قائلا: ''الهواتف المحمولة مسؤول عنها جهاز تنظيم الاتصالات وليس هيئة المواصفات والجودة، ولكننا معنيين فقط بشهادة الضمان، لأني مطلع شهادة ضمان لكل منتج بحيث يكون مطابق لشهادة الضمان''.
قد تؤدي إلى الوفاة
قمنا في جولة قصيرة بزيارة أكثر من مركز معتمد لصيانة أجهزة المحمول للإستعلام عن الشواحن الأصلية وأسعارها والفرق بينها وبين الشواحن المقلدة، في الفرع الرئيسي لأحد الشركات العالمية بحي الدقي أكد لنا أحد المتخصين في صيانة الهواتف أن الشواحن الأصلية القادمة إلى مصر تملك علامة ''سي إي'' ، وهي العلامة التي تعني أن الجهاز مطابق لمواصفات الاتحاد الاوروبي ويسمح بتداوله في دول الاتحاد الأاوربي مما يعني أن الجهاز يحمل معايير السلامة اللازمة لضمان آمان المستخدم، بينما الشواحن التي تحمل علامة '' سي سي سي إس'' تعني أن هذا الجهاز مطابق للمواصفات الصينية فقط، ولديه مشاكل كثيرة في التقنية.
وتمكن الخطورة في هذه الشواحن المقلدة حسبما أكد أحد المتخصصين (الذي رفض ذكر أسمه) في مركز الصيانة، أن الشاحن الأصلي يعتمد على مواد عازلة ومنظمات للطاقة تعمل على إمداد الهاتف بمصدر طاقة ثابت خال من أي تسريبات كهربائية، بينما الشواحن غير الأصلية ليس لديها مواد عازلة مما تجعل الشخص عرضة دائما للصعق بالكهرباء من هذا الشاحن وقد تؤدي في أسوأ الأحوال إلى وفاته مثلما حدث منذ عام لامرأة صينية، أو أقل الإضرار يتسبب فيه الشاحن الغير أصلي بذوبان في السلك الخاص به، وبالتالي حدوث تماس كهربائي وحريق.
في السياق ذاته أعرب الدكتور عبد الرحمن الصاوي أستاذ الاتصالات بجامعة حلوان، عن قلقه من استخدام الشواحن المحمول الغير أصلية،
وفي حديثه لمصراوي قال أنها تتسبب في أضرار بالغة على الأفراد وعلى الأجهزة، ''اللي بيحصل أن أي جهاز إلكتروني بيكون ليه مواصفات أمان معينة، وهذه المواصفات ممكن المواطن العادي لا يعرفها جيدا، ولا ينظر إليها''.
لكنه أشار أن من أهم أضرار تلك الشواحن التي وصفها بالرديئة أنها تتسبب في صعق أي شخص بالكهرباء وهذا من الممكن أن يؤدي إلى وفاته في الحال، لأن احتياطيات الحماية الكهربائية لا تتواجد في هذه الشواحن.
وتابع: ممكن يصاب أحد بالأمراض كالسرطان، نتيجة للإشعاع الخارج من هاتفه المحمول الغير أصلي أو الشاحن، خصوصا أنه لو حصل مشكلة في الكهرباء لو انقطع التيار الكهربي ورجع فجأة في الشواحن المزيفة لا تنتقل الكهرباء إلى الهاتف، ومن الممكن يحتفظ الشاحن بالكهرباء بداخله ثم يصعق أي شخص يقترب منه نظرا لعدم وجود مواد عازلة كافية في هذا الجهاز.
وافقه الرأي اللواء مدحت عبد الله رئيس مباحث التموين بأن الهواتف والشواحن المجهولة والغير أصلية من الممكن أن تودي بحياة شخص أو سلامة مبنى كامل من الممكن أن يتسبب الشاحن في ضرب منظومة كهرباء كاملة وحرقها، ''لأنه ببساطة الماتيريال بتاعه مش مظبوط فيأثر على سلامة الفرد يجيبله كهربا زيادة يتصعق ويموت'' - على حد تعبيره.